أصبحت الهجرة الدولية سمة متنامية لعالمنا الحديث، ففي 2020 وصل عدد الأشخاص الذين يعيشون في دول غير التي ولدوا فيها نحو281 مليون شخص.
وفي نهاية 2021، تم تهجير 89.3 مليون شخص قسرا من منازلهم، معظمهم نزحوا داخليا، وفق تقديرات الأمم المتحدة.
ومع ذلك، فإن أكثر من 36 مليون شخص على مستوى العالم هم من اللاجئين وطالبي اللجوء، جاء ثلثاهم (نحو 66 بالمئة) من سوريا وفنزويلا وأفغانستان وجنوب السودان وميانمار.
وحاليا، تستضيف تركيا أكبر عدد من اللاجئين يقدر بـ 3.8 ملايين شخص، تليها كولومبيا وأوغندا وباكستان وألمانيا.
وغالبا ما تكون أسباب نزوح هؤلاء الأشخاص مرتبطة بالنزاع والاضطهاد والعنف وانتهاكات حقوق الإنسان، لكن يبدو أن هناك سببا آخر للهجرة والنزوح يتفاقم بوتيرة سريعة وهو تغير المناخ.
لاجئو التغير المناخي
ويتوقع أن تؤدي التغيرات المناخية إلى تسريع معدلات النزوح بشكل مباشر وغير مباشر، وغالبًا ما تجبر الأحداث المناخية المفاجئة مثل الفيضانات والعواصف الناس على الانتقال إلى المواقع القريبة بشكل دائم.
ويمكن أن تؤدي التأثيرات البطيئة لتغيرات في المناخ إلى الهجرة، مثل ارتفاع مستوى سطح البحر، وزيادة ملوحة الأراضي الزراعية، والتصحر، وتدني الأمن الغذائي، وندرة المياه.
ومع ارتفاع درجات الحرارة عالميا، يتوقع أن يتحول نطاق المنطقة الصالحة للسكن في نصف الكرة الشمالي باتجاه المناطق الشمالية.
ويمكن أيضا أن يؤدي التغير المناخي إلى اتساع نطاق المناطق الاستوائية المصنفة أنها بالكاد صالحة للعيش، لترتفع من 1 بالمئة إلى قرابة 20 بالمئة بحلول عام 2070.
ورافق زيادة مستوى سطح البحر ارتفاع في عدد سكان تلك المناطق، فعلى مدى السنوات الثلاثين الماضية نما عدد سكان المناطق الساحلية في الأماكن المعرضة بشدة لارتفاع مستوى سطح البحر من 160 مليونا إلى 260 مليونا، يعيش 90 بالمئة منهم في بلدان جزرية صغيرة وأخرى يعاني مواطنوها انخفاض الدخل.
آثار طويلة الأجل
وبشكل أقل وضوحا، يمكن أن تتسبب هذه العمليات البطيئة في الهجرة بسبب آثارها طويلة الأجل، بينها انخفاض الدخل وتدهور الظروف الاقتصادية، فضلا عن الصراع الناجم عن التأثيرات المناخية المتغيرة والمنافسة على الموارد الطبيعية المتضائلة.
وشوهدت هذه الآثار المتتالية مؤخرا في سوريا، حيث أدت أسوأ موجة جفاف منذ 800 عام إلى تصحر الأراضي الزراعية الخصبة سابقا.
ونتيجة لذلك، قلت المحاصيل وفقد 800 ألف شخص دخلهم، ونفق 85 بالمئة من الماشية المملوكة للقطاع الخاص، كما انتقل 1.5 مليون عامل ريفي إلى ضواحي المدن السورية للعثور على وظائف مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية.
وبالنظر إلى سيناريوهات تغير المناخ وتدابير التكيف المتبعة وعوامل أخرى اجتماعية واقتصادية وسياسية، تختلف تقديرات المهاجرين بسبب المناخ بشكل كبير من 25 مليونا إلى مليار مهاجر بحلول عام 2050، مع الإشارة بشكل دائم إلى وجود 200 مليون مهاجر.
وحذر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، خلال قمة المناخ بمصر في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، من أن العالم بات أمام خيارين فقط “الهلاك أو التعاون” من أجل مواجهة تداعيات التغيرات المناخية.
وقال في كلمة له إن العالم يعيش “فوضى مناخية” ويتجه نحو “الجحيم المناخي”، مشيرا إلى أن الكوكب “يقترب بسرعة من النقطة التي ستجعل الفوضى المناخية لا رجعة فيها”.
واعتبر أن العالم “يخسر المعركة التي يخوضها للحفاظ على الحياة” على كوكب الأرض.
تهديدات مضاعفة
بالإضافة إلى آثاره طويلة الأمد، يمكن أن يعمل تغير المناخ على مضاعفة التهديدات التي تواجهها البشرية، بينها تدهور الظروف الاقتصادية والتوترات السياسية.
رغم صعوبة إرجاع النزاعات المسلحة أو العنف إلى التغيرات المناخية، فإن هناك ارتباطا كبيرا بين قابلية التأثر بالمناخ من ناحية، والعنف والصراع من ناحية أخرى.
وتشير التقديرات إلى أن 95 بالمئة من جميع حالات النزوح بسبب النزاعات عام 2020، حدثت في بلدان معرضة أو شديدة التأثر بالتغيرات المناخية.
ويمكن أن يؤدي تغير المناخ أيضًا إلى حلقات مفرغة عندما يندلع صراع، فإنه يميل إلى تأمين الموارد الطبيعية والبنية التحتية، ما يقلل المرونة في مواجهة آثار تغير المناخ.
وعلى سبيل المثال، 95 بالمئة من إمدادات المياه في قطاع غزة ملوثة بسبب تسرب مياه الصرف الصحي ومياه البحر، بينما في سوريا ألحق الصراع ضررا بنصف البنية التحتية لتوزيع المياه في البلاد.
أزمة إنسانية
يبدو النظام العالمي الحالي غير مستعد للتعامل مع الآثار الاقتصادية لتغير المناخ والصراعات المرتبطة به، كما أنه يفتقر إلى آلية التعامل مع النزوح الواسع النطاق الذي سيصاحب تلك الظاهرة.
إن الاعتراف الأخير بالحاجة إلى تعويض عن الخسائر والأضرار للبلدان الأكثر تضررا من تغير المناخ يشير إلى تنامي الإقرار بالتحديات الناتجة عن هذه الظاهرة.
ومع ذلك، فإن الحل الأفضل والأقل تكلفة لأزمة الهجرة المناخية المستقبلية هو كبح ارتفاع درجات الحرارة العالمية عن طريق الحد من انبعاثات الكربون.
ويعد تغير المناخ أكبر أزمة بيئية واجهتها البشرية في الوقت الحاضر، لكن يجب ألا تكون أزمة إنسانية أيضا.
يذكر أن مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ (كوب 27) الذي عقد في مصر، أقر بإنشاء صندوق لتعويض “الخسائر والأضرار” التي تتكبدها الدول النامية جراء تغير المناخ.
وجاء الاتفاق بين مندوبي نحو 200 دولة خلال جلسة عامة بعد مفاوضات طويلة، وستُحدد التفاصيل العملياتية لهذا الصندوق لاحقا بهدف إقرارها في المؤتمر المقبل في الإمارات نهاية 2023.
وبند “الخسائر والأضرار” يتضمن حث دول كبرى منها الولايات المتحدة ثاني أكبر ملوث مناخي والدول الأوروبية الصناعية والصين، على تقديم تمويلات للبلدان الأقل نموا لمواجهة معاناتها من فيضانات وموجات حر وجفاف وكوارث أخرى بسبب تغير المناخ.
المصدر: الأناضول
الرابط المختصر https://insanonline.net/?p=139064