منذ النكبة الفلسطينية عام 1948 يتعرض النقب لعمليات التهويد والتهجير المستمرة حتى يومنا هذا، في البدايات أجبر الاحتلال حوالي مائة ألف بدوي على الرحيل من منطقة النقب، وتحول أغلبهم إلى لاجئين في الأردن وشبه جزيرة سيناء وقطاع غزة ومناطق الضفة المحتلة، خاصة مناطق الخليل والأغوار والقدس.
ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد بل أخضع الاحتلال المنطقة لسيطرته، وشرع بتنفيذ العشرات من المشاريع التهويدية، وهدم البيوت بشكل دائم بحجة عدم الترخيص.
استهداف النقب بدأ حين تحدث ديفيد بن غوريون أول رئيس وزراء لها، عن أهمية النقب في الفكر الاستعماري الصهيوني قائلا: “إذا لم نصمد في الصحراء، فستسقط تل أبيب”، ووصف في خطابه أمام الكنيست عام 1951، صحراء النقب بأنها “مشروع الأمة”، معطيًا بذلك الإشارة للمؤسسات الصهيونية لبدء العمل على إيجاد الاستراتيجيات اللازمة لاستيطان المنطقة وتهويدها، عبر آليات مصادرة الأراضي وتجريفها وهدم البيوت والقرى.
ووفق رؤية بن غوريون، بدأت (إسرائيل) العمل على سن قوانين للاستيلاء على أراضي الفلسطينيين، وعملت من خلالها على سلب حقوقهم سواء المتواجدين في أرضهم، أو “الغائبين” الذين هجّرتهم العصابات الصهيونية قسرًا وقت النكبة.
ومن أبرز المشاريع الاستيطانية التي تستهدف النقب:
تهجير وليس تشجيرا: يتعرض النقب لمشروع استيطاني ضخم تحت شعار تشجير الصحراء الذي تتخذه دولة الاحتلال ستارًا لتهجير الفلسطينيين وتجريف أراضيهم وبعثرة قراهم ومن ثم طمس هويتهم.
بدأ هذا المشروع منذ سنين، وتركز على أطراف النقب شمالاً وجنوباً ومؤخرا ضاعف “الصندوق القومي لـ(إسرائيل) ” “كاكال” عمليات التشجير في قرى النقب العربية، واخترق ما تبقّى من الأراضي الزراعية في القرى مسلوبة الاعتراف، وزرعت عناصره الأشجار تحت عنوان محاربة التصحر وهي الصورة التي تحاول سلطات الاحتلال رسمها من خلال الترويج لهذا الموضوع.
أما أهالي النقب فقد اعتبروا أن عمليات التشجير تهدف للاستيلاء على 40 ألف دونم في المرحلة الاولى التي تصنفها (إسرائيل) بأراضي غائبين تم تهجير أصحابها إبان النكبة.
والمناطق المستهدفة من هذا المشروع هي خربة الوطن، والتضحية، وضواحي بلدة تل السبع وشقيب السلام والمناطق الشمالية والجنوبية من مدينة رهط، بالإضافة إلى صواوين وبير المشاش والغراء وأبو تلول وقرية الأطرش حيث رصدت له ميزانيّة تصل إلى 3 مليارات شيكل لتنظيم ما أسموه بالاستيطان البدوي ويعمل صندوق (إسرائيل) على إغلاق المساحات الزراعية في القرى العربية بالأشجار، لمنع توسع العرب وقتل الطابع الزراعي للحياة.
خطة شارون:
شهد عام 2003 مصادقة اللجنة الوزارية (لشؤون الوسط غير اليهودي) على خطة جرى تسميتها (خطة معالجة الوسط البدوي في النقب والمعروفة بـ “خطة شارون”، وقد رُصد لها (1.175 مليار شكيل) لفترة خمس سنوات، كان هدف الخطة السيطرة على أراضي الفلسطينيين وتجميعهم في سبع بلدات وتصفية القرى الغربية غير المعترف بها.
وفي 20/5/2005 صادقت حكومة الاحتلال على ما يعرف بـ (الخطة القومية الاستراتيجية لتطوير النقب) ورصدت لإنجازها 17 مليار شيكل.
في عام 2011، رصدت حكومة الاحتلال ميزانية قيمتها 25 مليون دولار للشروع في تنفيذ مخطط يقضي بإقامة 100 مزرعة جديدة، إضافة إلى 41 مزرعة فردية أقامها اليهود بشكل غير قانوني على أراضي الفلسطينيين في النقب، وستخصَّص مساحة مقدارها 80 دونمًا مجّانًا لكل عائلة يهودية توافق على الاستيطان بالمنطقة.
النقب 2015
شهد العام 2015 خطة جديدة، عرفت باسم “النقب 2015” في مسلسل تهويد النقب اعتمدت على تعزيز الاستيطان وتقديم الحوافز التشجيعية للمشاريع والأعمال ونقل قواعد عسكرية ومعسكرات جيش الاحتلال إلى النقب.
وفي عام 2020، كشفت صحيفة “هآرتس” أن الصندوق القومي اليهودي أطلق عمليات لتشجير نحو 40 ألف دونم من أراضي النقب، بهدف إبعاد أصحاب هذه الأراضي من قريتَي شقيب السلام وأبو تلول عنها، ومنعهم من استخدامها لأغراض الرعي والزراعة، وأقرّت الصحيفة، نقلًا عن مصادر مختلفة، عملية التشجير تحت “ذريعة منع البدو العرب من السيطرة على هذه الأراضي بادعاء أنها أراضٍ للدولة”.
ومع بداية عام 2022، كشّر الاحتلال مرة أخرى عن أنيابه في مخططاته الاستعمارية في النقب، وتوسّعَ في عمليات التشجير من خلال “كيرن كييمت ليسرائيل” (الصندوق الدائم لـ”إسرائيل” – الاختصار “كاكال”)، وذلك في قرية “سعوة الأطرش” التي انتفضت في حينها.
الهدف الأساسي “للكيرن كييمت” كان وما زال الدفع قدماً باستيطان اليهود فقط، ومشروعها الرئيسي هو زرع غابات في أماكن مختلفة في فلسطين المحتلة وإبراز سيادة يهودية في المناطق المحتلة منذ 1948 وحتى الآن.
التشجير “رؤية صهيونية”
في حديثه لقناة “كان” العبرية، منتصف شهر يناير/ كانون الثاني 2022، قال رئيس مجلس إدارة الصندوق القومي اليهودي “أفراهام دوفديفاني” إن الصندوق “سيواصل الزراعة في النقب بأكمله، وهذا جزء من الرؤية الصهيونية”، مضيفاً: “لقد زرعنا الأشجار في النقب منذ 15 عامًا كما هو الحال الآن، ولم يكن هناك شيء مختلف عمّا كنا نفعله كل هذه السنوات، ليس لدينا أي فكرة عمّا هو مختلف الآن، كانت التعليمات بوقف الزراعة متقطعة واستأنفنا العمل بكامل الطاقة بعد أيام قليلة”.
وبالنسبة إلى الصندوق القومي اليهودي، فإن تحريج النقب وتشجيرها وجعلها سهلًا عشبيًّا كما يصف، يهدف في طياته إلى مواجهة ظاهرة التصحُّر، ودفع خط تمدُّده من شمال النقب إلى جنوبه، ومن ثم تضييق المراعي على سكان النقب عبر تحريجها ومنع عودة القطعان إليها، في سياسة كان أهم أغراضها نزع أهم مورد معيشي من أهل النقب، وهو تربية الماشية، الذي اعتمده البدو على مدار مئات السنين في ديارهم.
وتعود لغة التحريج هذه إلى أبيها الروحي في الفكر الصهيوني يوسف فايتس، الذي شغل منصب رئيس دائرة الأراضي والتحريج في الصندوق القومي اليهودي، إذ لم يرَ فايتس بالتحريج مجرد أداة للتدخُّل البيئي فقط، بل “بمثابة إعلان عن بعث سيادة الطبيعة اليهودية على البلاد، بالإضافة إلى أثر التحريج في خلق واقع جغرافي-سياسي، وتمكينه على الأرض”، كما كان فايتس واحدًا من بين 3 في “لجنة الطرد والإبعاد” عام النكبة، والذين دعوا إلى اقتلاع الفلسطينيين وزرع الشجر على أنقاضهم.
المصدر: الرسالة نت
الرابط المختصر https://insanonline.net/?p=139854