اللاجئون الفلسطينيون المشردون عقب الزلزال..مأساة تغطيها الخيام وموائد رمضانية برائحة الفقد

ما أن يحين موعد أذان المغرب، يجلس اللاجئ الفلسطيني في شمال سوريا حسن البيطار على مائدة إفطار رمضانية تخلو من ملامح زوجته “شمس” وطفلته سلام (عام ونصف)، في لحظةٍ لا تستطيع دموعه إطفاء لهيب الذكريات، حينما كانت زوجته تجلس أمامه وتفرد أطباق طعام يأويهما سقف منزل انهار بهم إثر زلزال مدمر ضرب جنوبي تركيا وشمالي سوريا.

ففي السادس من فبراير/ شباط الماضي، يوم وقوع الزلزال، عاش عدة ساعات بين الركام إلى أن نجى برفقة طفلين، فيما توفيت زوجته وطفلته الرضيعة.

بداخل خيمة لا تتوفر فيها سوى بعض الأغطية والملابس والفرشات، يؤنس وحدته على تلك المائدة طفلاه الناجيان قصي (5 سنوات) وسارة (4 سنوات)، لكنهم لم ينجو من تداعيات الزلزال وآثاره الكارثية مع غياب الدعم الإغاثي والدولي لهم، فمنذ شهرين يعيشون في تلك الخيمة الواقعة في منتصف طريق ترابي بمنطقة “جنديرس”.

 لم يتلق البيطار أي مساعدات إغاثية سوى تلك الخيمة وبعض المعلبات ووجبات إفطار قليلة ومبلغ مالي زهيد، يواجه مصيرًا صعبًا، فهو لا يستطيع ترك طفليه بمفردهما في خيمة لا توفر الأمان والذهاب للبحث عن عمل، يوجد طوال الوقت معهما وهما لا يكفّان عن الوقوف على باب الخيمة بانتظار عودة والدتهم من “الجنة” كما حددت لهما إجابته مكانها.

 أوضاع صعبة

 “عندما كنت أعود للمنزل كنت أجد الطعام جاهزًا، اليوم أفطرُ وحيدًا، نفطر مما يصلنا من المعلبات أو ما يرسله بعض الجيران من طعام، أعيش حياة صعبة، لا تتوفر في الخيمة تدفئة ولا دورة مياه، ونتحمل برودة الأجواء مساءً”.

 يفتح البيطار كاميرا هاتفه عبر مكالمة فيديو، لصحيفة “فلسطين”، أزاح بها الستار عن مأساة تغطيها قماش الخيمة فمن الداخل لا ترى سوى فرشتين وبعض الملابس في زاويتها، وأصوات السيارات التي تمر من جانبيها فلا يستطيع ترك طفليه يخرجان للعب خوفًا عليهما، في الخارج ترى خيامًا نُصبت بجوار بيوت دمرت، وعلى بعد 200 متر يظهر مخيم المشردين من الزلزال ويضم نحو 50 عائلة بمنطقته تعيش كلها في خيام.

 يرفض هذا اللاجئ الذهاب للوقوف في طابور طويل لاستلام وجبة إفطار، يعلق بقهر: “فقدت منزلي وزوجتي وطفلتي وبدأت حياتي من الصفر، يجب أن يأتوا هم إلينا، الدعم الذي وصلنا لا يذكر، أحد فاعلي الخير اشترى ملابس لطفلي، وآخر قدم مساعدة نقدية بسيطة، والدعم الدولي لم أرهَ”.

فقدان العمل

في المنطقة نفسها يعيش اللاجئ الفلسطيني زكريا أبو غياث في خيمة مماثلة لخيمة البيطار، وإن كانت معاناته أقل، فمنزله تعرض للتصدع ويحتاج لإعادة ترميم وتدعيم وليس إعادة بناء، كما أن عائلته نجت من الزلزال باستثناء تعرض زوجته لإصابة في كتفها.

إضافة لتشرده في خيمة نصبها بجوار منزله، فقد أبو غياث مصدر دخله بعد انهيار محله بفعل الزلزال، وقبل أيام استطاع إعادة ترميم جزءٍ منه، يحاول إعادة عجلة الحياة للدوران.

يقول أبو غياث وهو لاجئ فلسطيني نزح من مخيم اليرموك كحال البيطار لـ”فلسطين”: “نعيش في خيام ونواجه أوضاعًا صعبة، فرص العمل قليلة وإن وجدت فرصة عمل فإن الرواتب زهيدة، كما أن المدارس التي تعرضت للانهيار، توقفت وعادت لفتح أبوابها قبل أيام، وهناك غلاء في أسعار إيجار البيوت”.

يصف الدعم الإغاثي للمنطقة المنكوبة بالقليل، باستثناء بعض المنظمات التي تتبنى مشاريع إفطار صائم في رمضان أو تزويد الأسر ببعض الاحتياجات والمستلزمات والخضار.

تمر أيام رمضان ثقيلةً على أبو غياث وأهالي المنطقة، فمن قسوة الظروف إلى غياب الأهل والأحباب والجيران الذين قضوا بفعل الزلزال، تتفاقم معاناتهم.

من على أطلال واقع مرير يسترجع تلك الذكريات، تسكن الحسرة صوته “فقدنا أغلبية المعارف، والأقرباء والجيران الذين نزحوا مثلنا من جميع المدن السورية وكنا هنا كالأهل، وأصبحنا مهجرين في المنطقة ذاتها لا نستطيع الانتقال لمنطقة أخرى بانتظار الدعم الإغاثي الدولي”.

تراجع دولي

وزادت تداعيات الزلزال المدمر من صعوبة الوضع المعيشي لغالبية اللاجئين الفلسطينيين في تركيا وسوريا، في ظل تراجع الدعم الدولي والإغاثي للاجئين.

وأفاد مسؤول الإعلام في مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا فايز أبو عيد بأن هذه المعاناة يمكن ملاحظتها من ارتفاع بدل الإيجار للمنازل بعد الكارثة، فضلًا عن فقدان الغالبية أعمالهم، وانتشار البطالة بينهم، وفقدان بعضهم ممتلكاتهم.

وأوضح أبو عيد لـ”فلسطين” أن العديد من اللاجئين الفلسطينيين ما زالوا يعيشون بمراكز إيواء بعدما فقدوا أملاكهم وبيوتهم بفعل الزلزال سواء في مخيمات “حندرات” بمدينة حلب أو مخيم “الرمل” في منطقة اللاذقية، ولم يعودوا إلى بيوتهم، عادًّا ذلك تداعيات كارثية.

وحول مستوى التدخل الدولي الإغاثي قال: شاهدنا التحرك الكبير للمنظمات الدولية والذي جاء متأخرًا ولم يكن بالمستوى المطلوب، سواءً من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا” ومؤسسات المجتمع المدني والأمم المتحدة، أو مبادرات إغاثة اللاجئين المتضررين، مشيرًا إلى أن المساعدات تراجعت ما جعل اللاجئين يواجهون أوضاعًا معيشية صعبة.

وبحسب أبو عيد هناك ما يقارب 110 فلسطينيين توفوا بفعل الزلزال، بينهم نحو 71 شخصًا توفوا بزلزال سوريا، فيما لا تزال عشرات العائلات مشردة بمراكز الإيواء، وأخرى انتقلت للعيش في بيوت الأقارب، وهذا يشكل عبئًا في المستقبل.

المصدر: فلسطين أون لاين