“التكايا التاريخية”..ملاذ الفقراء في فلسطين منذ مئات السنين

“خلية نحل”.. هكذا يمكن وصف “تكية سيدنا إبراهيم” في الخليل، فمنذ ساعات الصباح ينطلق العاملون فيها إلى سباقٍ مع الزمن لكي يتمكنوا من إعداد وجبات الغداء للعائلات المتعففة.

وفي شهر رمضان يجري يوميًا على قدم وساق لطهي أصناف اللحوم المختلفة من دجاج ولحوم حمراء لصالح 4000 مستفيد يوميًا، بواقع قرابة 800 كيلو من اللحوم الحمراء أو ألف كيلو من اللحوم البيضاء في اليوم، وفق حازم مجاهد مسؤول التكية القائمة منذ العام 1187 م.

ويشير إلى أنّ التكلفة الإجمالية المتوقعة للإفطارات الرمضانية هذا العام، هي مليون ونصف مليون شيقل، “يأتينا الكثير من المتبرعين بأشياء عينية كاللحوم أو مادية يوميًا، نحن نعمل طوال العام لكن نكثف نشاطنا في رمضان”.

 خدمات متعددة

وتعدّ تكية خليل الرحمن، كما يسمّونها اليوم، الوحيدة التي تقدِّم الطعام على مدار العام في فلسطين، إذ تقدِّم شوربة الجريشة يوميًّا والمكوّنة من القمح المجروش، بينما تتعدد الأصناف في شهر رمضان.

وبالعودة إلى التاريخ، فقد كان يقدم الطعام في التكية في المرحلة الأيوبية ثلاث مرات يوميًا. وكان العاملون فيها يدقون الطبول لإشعار الناس بوقت تقديم الطعام.

ولم يقتصر الأمر على تقديم الطعام للبشر، بل امتد إلى خيول الزوار التي كان يقدم لها الشعير. وتوالى الاهتمام بالتكية الإبراهيمية من مختلف الدول الإسلامية التي تعاقبت على حكم فلسطين، ففي العهدين الفاطمي والعثماني أُفرزت مخصصات سنوية لها حتى تستمر في العمل على مدار العام. كما أوقف لها العديد من الملوك والسلاطين العقارات.

تكايا العصر العثماني

وترجع نشأة التكايا إلى العصر العثماني، سواء في الأناضول أو الولايات التابعة للدولة العثمانية ومنها فلسطين، بهدف إقامة المنقطعين للعبادة من المتصوفة ومساعدة عابري السبيل آنذاك، لكن اليوم اقتصر عملها على إطعام الفقراء وإيصال الوجبات الشعبية المجانية إلى بيوتهم، خاصة في شهر رمضان أو كل يوم جمعة، حسب الميزانية المتاحة لكل تكية.

وهناك عدة تكايا تاريخية في فلسطين، منها: تكية خاصكي سلطان أُنشئت على يد روكسلانة الروسية، زوجة السلطان العثماني سليم القانوني، عام 1552، وتقع التكية في مدينة القدس في عقبة التكية المعروفة باسم عقبة المفتي، شرق دار الأيتام الإسلامية.

وهذه التكية كانت أول مبادرة للعمل النسائي في فلسطين، حين أرادت زوجة السلطان القيام بعمل إنساني في القدس، فقررت إطعام 1000 فقير يوميًّا، عدا عن أنها أوقفت أراضي زراعية في الضفة للحصول على الخضار والقمح لإعداد الأطعمة.

وهناك تكية سيدي شيبان نسبة إلى سيدي شيبان الواقع ضريحه في مدينة البيرة (منطقة جبل الطويل)، ويُقال إنه رجل صالح وله كرامات، واسمه محب الدين أو مجد الدين (عبد الملك أبو بكر الموصلي)، جاء إلى فلسطين عام 1440، أي بداية الفترة العثمانية.

وتعمل هذه التكية على مدار العام، إذ تعتمد على التبرعات التي تقدَّم من أهل الخير في المدينة، ومع ذلك لا يقتصر تقديم الطعام على فقراء البيرة، بل يصل إلى مدن وقرى الضفة المحتلة، وتُرسل الوجبات إلى بيوت. 4

تكايا تاريخية

أما تكية “فاطمة خاتون” فقد أنشأتها حفيدة السلطان قانصوه الغوري آخر سلاطين المماليك، وزوجة لالا مصطفى باشا من رجالات العثمانيين، وقد بنت في جنين جامع جنين الكبير، وأقامت تكية بجواره تقدِّم الطعام والمأوى للأغراب والمسافرين والمعتكفين للمسجد، ولمن يقومون على خدمة المساجد.

وتكية النبي موسى بناها الظاهر بيبرس وتحوي غرف للنوم ولإقامة وخدمة المقام، وكانت الأوقاف التي وقفها بيبرس على التكية تكفي لإطعام حشود من الزوار الذين يأتون المقام في نيسان من كل عام.

وكذلك تكية المغربي أنشأها صلاح الدين الأيوبي في حطين، ودعيت بهذا الاسم نسبة إلى شيخ مغربي عينة صلاح الدين شيخًا لها، وتكية عيون التجار وتضم حصنًا ويقع في خربة عيون التجار قضاء طبرية، أقيم سنة 843هـ زمن الشراكسة، رممه الوزير العثماني سنان باشا المتوفى سنة 1004هـ.

منشأة لتقديم الوجبات

وهناك التكية الدرويشية وهي إلى الجنوب الشرقي من جامع التينة بنابلس توقفت التكية بعد زوال أوقافها وأصبحت مسكنًا لآل البسطامي؛ وتكية السري السقطي غربي نابلس في جبل جرزيم، وهناك أيضًا تكيتان في غزة هما تكية عبد العظيم وتكية مرغان.

أما في غزة فهناك تكيتان قديمتان في غزة، هما تكية عبد العظيم وتكية مرغان شُيِّدتا زمن العثمانيين أيضًا فترة حاكم الولاية حسين باشا، وكانتا بمنتصف المدينة بجوار بعضهما.

والتكية اصطلاحًا كلمة تركية مسايرة للزاوية والخانقاه، اشتهر بها العثمانيون، وهي كلمة غامضة الأصل، أما في معناها الشائع فهي منشأة لتقديم الوجبات الشعبية المجانية للفقراء والمجاورين.
المصدر: فلسطين أون لاين