خضر عدنان .. فارس الإضرابات يرتقي شهيدًا

“دعواتكم أن يتقبلني الله شهيدا مخلصا لوجهه الكريم” بهذه الكلمات ختم القائد البطل خضر عدنان وصيته التي كتبها في اليوم الـ 58 لإضرابه عن الطعام، وها هو يمضي شهيدًا مع دخوله في اليوم الـ 87 لإضرابه.

اختار الطريق الصعب، وأصر عليه، ونال الشهادة ليبقى شاهدًا على جريمة الاحتلال التي اختارت اغتياله بالقتل البطيء برفضها وتعنتها الإفراج عنه رغم تدهور حالته الصحية.

أنا أموت

في آخر ظهور له عبر الفيديوكونفرس أمام محكمة عوفر العسكرية الصهيوني قال عدنان لزوجته: أنا أموت، ولم يعبأ الاحتلال لهذه الكلمات فرفض طلب الإفراج عنه وأصر على محاكمته بلائحة اتهام ملفقة سبق أن حوكم عليه، وهو يعلم أنه سيصل إلى هذه النتيجة.

وقالت زوجة الأسير لـ”المركز الفلسطيني للإعلام” إن زوجها خلال ظهوره عبر الفيديوكونفرس في جلسة محاكمته في عوفر الأحد الماضي، قال: ” أنا بموت “، مؤكدة أن كل دقيقة اعتقال يقضيها وسط ضغوط وعزل وسياسات الاحتلال، تشكل خطرا وتهديداً لحياته.

وأكدت أن محكمة الاحتلال رفضت الاستئناف المقدم للإفراج عنه زوجها بكفالة وحددت جلسة في 10 مايو المقبل لاستدعاء الشهود، وإبقاء القضية والملف على ما هو عليه.

وأشارت إلى أنه مطلوب له من 4-5 سنوات في قضية لا تستحق أكثر من 4-8 أشهر وفق تقديرات المحامين، رغم أن هذه القضية حكم عليها سابقًا.

اغتيال ممنهج

وأكد نادي الأسير الفلسطينيّ، نبأ استشهاد الأسير الشيخ خضر عدنان (44 عامًا) من بلدة عرابة/ جنين، بعد أن ّ خاض معركة إضراب عن الطعام، استمرت لمدة 86 يومًا رفضًا لاعتقاله، حيث احتجز الشهيد عدنان على مدار الفترة الماضية في زنزانة في (عيادة سجن الرملة).

وقال نادي الأسير في بيان له: إنّ الأسير خضر عدنان الذي اعتقل في الخامس من شباط الماضي، تعرض لعملية اغتيال ممنهجة من قبل أجهزة الاحتلال، وكان من الواضح من كافة التفاصيل التي مرت على مدار الفترة الماضية، أنّ الاحتلال الإسرائيلي كان لديه قرارًا باغتياله.

وتابع نادي الأسير، إذ أننا ننعى مناضلًا حقيقيًا، خاض معارك طويلة بأمعائه الخاوية، في وجه الظلم، ومن أجل حرّيّته، وتشبث بقوة وإيمان بمبادئه، واليوم نخسر قائدًا حقيقيًا، خاض على مدار السنوات الماضية وحتّى اليوم 6 إضرابات، وخلالها حمل صوت الأسرى إلى كل أرجاء العالم، وتمكّن في كل مرة من نيل حريتّه، حتّى قرر الاحتلال في هذه المرة وبأدوات ممنهجة باغتياله عن سبق الإصرار، وبقرار.

وبيّن نادي الأسير، أنّه وعلى مدار إضرابه، رفض الاحتلال السّماح لعائلته أن تزوره رغم ما وصل إليه من مرحلة بالغة الخطورة، وتمكّنت زوجته من رؤيته فقط عبر شاشة الفيديو (كونفرنس) خلال جلسات المحاكم التي عقدت له، وآخر مرة كانت يوم الأحد الماضي، حيث قال: الشيخ عدنان لزوجته (أنا بموت)، كما ورفض الاحتلال نقله إلى مستشفى (مدني).

حجز بزنزانة

في زنزانة ضيقة بمستشفى الرملة، بقي يرقد الأسير عدنان في حالة صحية صعبة رغم 86 يومًا من معركة أمعاء خاوية قاسية، كانت فيها زوجته تنتقل من محافظة لأخرى ومن فعالية إلى لقاء، ومن إذاعة إلى تلفزة أو أي وسيلة إعلام لتسلط الضوء على معاناة زوجها وتنقل للرأي العام تطورات إضرابه.

وشرع خضر عدنان في إضرابه منذ اللحظة الأولى لاعتقاله في 5 فبراير/شباط الماضي، عندما داهمت قوات الاحتلال الصهيوني منزله في مخيم جنين، في الاعتقال الـ 14 له في سجون الاحتلال أمضى فيها مدة زمنية تجميعية تقارب على 9 سنوات.

يقين وإيمان

بصوت مليء باليقين والإيمان تحدثت رندة موسى في حديث خاص قبل أيام قليلة لـ”المركز الفلسطيني للإعلام” عن هذه المعركة التي خاضهاا زوجها ليفتح عبرها طاقة أمل لكل الأسرى لانتزاع حريتهم رغم أنف المحتل.

قبيل فجر 5 فبراير الماضي، اقتحمت قوات الاحتلال منزل عائلة عدنان المكون وصولاً إلى شقته في الطابق الثالث لتعتقل الشيخ خضر وتحاول إهانته أمام أبنائه الأطفال التسعة (5 ذكور و4 إناث، أكبرهم 14 عامًا، وأصغرهم أقل من عامين).

وتؤكد زوجة الأسير، أنه من اللحظة التي اعتقل الاحتلال زوجها أبلغ ضابط أنه “مضرب عن الطعام والشراب والكلام”.

6 إضرابات في 14 اعتقالاً

بمجموع سنوات يقترب من 9 سنوات، اعتقلت قوات الاحتلال الشيخ خضر عدنان 14 مرة حتى الآن، غالبيتها بأوامر اعتقال إداري، وفق زوجته، إلى جانب معاناته من الاعتقال السياسي لدى أجهزة السلطة، ضمن سياسة الباب الدوار.

بإيمان عميق وإرادة فولاذية تستمد العزيمة من الله، ومن ثم بإسناد الأهل والجماهير، خاض الشيخ خضر عدنان، الإضراب تلو الآخر لينتزع حريته ويوصل رسالة لا تقبل الجدل للمحتل لن نسلم بقراراتك الفاشية وسننتزع حريتنا مهما كانت التضحيات.

المحطة الأولى لمعركة الأمعاء الخاوية، بدأه الشيخ خضر عدنان برفقة مجموعة من المعتقلين من قطاع غزة -وفق زوجته عام 2005 واستمرت 25 يوماً ضد عزله انفراديًّا، وكان لهم ما طلبوا.

وتضيف: خاض نهاية عام 2011 وبداية عام 2012 معركته الثانية بإضرابه الشهير الذي استمر 66 يوماً ضد اعتقاله الإداري، وتمكن فيه من انتزاع قرار بالإفراج عنه.

أما في عام 2015 فكانت المحطة الثالثة بإضراب ضد الاعتقال الإداري استمر 58 يوماً، وعام 2018 خاض إضراباً جديداً مدته 54 يوماً، وعام 2021 خاض إضرابًا استمر 25 يوماً وخرج بعدها بـ 5 أيام، وحاليًا يخوض إضرابه السادس منذ 5 فبراير /شباط الماضي.

إضراب مختلف .. فما الجديد؟

وفي حين كانت أغلب الإضرابات السابقة متعلقة برفض الاعتقال الإداري وهو نمط اعتقال تعسفي يجري دون أي سند قانوني وبادعاء وجود ملف سري، فإن الأمر هذه المرة مختلف؛ إذ يبدو أن الاحتلال أراد التحايل بتوجيه لائحة اتهام للبطل عدنان.

تقول زوجته: الشيخ أضرب من لحظة اعتقاله الأولى داخل المنزل، وتبين لاحقًا أن هناك لائحة اتهام تتضمن أنه قيادي في الجهاد الإسلامي وتتهمه بالتحريض وعمل أنشطة وزيارة ذوي الشهداء والأسرى وهي قضايا حوكم عليها سابقًا.

وباستشهاده بعد إضرابه يسلط الشيخ خضر عدنان الضوء على قضية الاعتقال التعسفي برمته الذي تنفذه قوات الاحتلال الصهيوني، وليس الاعتقال الإداري فقط.

وتوضح زوجته أن نجاح الإضرابات الفردية بمواجهة الاعتقال الإداري جعل الاحتلال يفكر بطريقة أخرى عبر توجيه لائحة اتهام بناء على اعتراف الغير؛ للحيلولة دون إضرابه.

وأضافت “لذلك كان إضرابه رسالة للاحتلال بأنكم إذا اعتقلتمونا فنحن مستمرون في نهجنا وإضرابنا لانتزاع حريتنا”.

معادلة الشعب الفلسطيني

وبفخر وثقة تضيف: الشيخ يجسد معادلة الشعب الفلسطيني في المقاومة: إذا بدنا نفكر قبل أن نقاوم ما في حدا هيقاوم، فكيف يواجه حجر أو رصاصة احتلال غاشم .. بالتالي التفكير المنطقي لا يصح مع هذا الاحتلال”.

النضال والكفاح هو إثبات وجود، تتابع زوجة الأسير، مشددة على أنه “من حقنا أن نكافح الاحتلال ونقاومه”.

وتخلص إلى أن الشيخ خضر عدنان يفتح بإضرابه الحالي باب الأمل للأسرى لا تنتظر صفقات للتحرير، بإمكانكم انتزاع حريتكم بالإرادة والإضراب، ورسالته للاحتلال: إذا كنتم تستطيعون اعتقالنا، فبإرادة الله ثم بإرادتنا وعزيمتنا نستطيع أن نحرر أنفسنا، ورسالته للأسرى: عندكم أسلحة وعقول وبإمكانكم تحقيق منجزات ومعجزات لنيل حريتكم.

رحلة الاعتقال الحالية، بدأت بـ 38 يومًا من التحقيق خاضها الأسير عدنان وهو مضرب عن الطعام في سجن الجلمة، ونقل منه إلى مستشفى الرملة مع تدهور حالته الصحية المستمر نتيجة الإضراب الحالي وتراكمات الإضرابات السابقة.

وتؤكد زوجة الأسير أن مستشفى الرملة هو أبعد ما يكون عن مستشفى، مشيرة إلى أن زوجها محتجز في زنزانة في ظروف سيئة، ووضعي صحي خطير حيث يتعرض لإغماءات متكررة، ويرفض الاحتلال نقله لمستشفى مدني بدعوى أنه يرفض المدعمات ويرفض الفحوصات الطبية.

الولادة والنشأة

وولد خضر عدنان موسى في 24 مارس/آذار 1978 في بلدة عرابة في جنين.

أنهى مرحلتي الدراسة الأساسية والثانوية العامة في مسقط رأسه عرابة، واجتاز المرحلة الثانوية بتقدير جيد جدا عام 1996، والتحق بجامعة بيرزيت في مدينة رام الله، وحصل عام 2001 على درجة البكالوريوس في الرياضيات الاقتصادية، ثم التحق ببرنامج الماجستير تخصص الاقتصاد في الجامعة نفسها.

ومبكرًا بدأ خضر عدنان حياته السياسية منتميا إلى حركة الجهاد الإسلامي. وكان أول اعتقال له من السلطة الفلسطينية بتهمة التحريض على رشق رئيس الوزراء الفرنسي ليونيل جوسبان بالحجارة لدى زيارته جامعة بيرزيت عام 1998. وأمضى في الاعتقال عشرة أيام مضربا عن الطعام.

واعتقلته سلطات الاحتلال الإسرائيلي أثناء الدراسة الجامعية، وأمضى في الاعتقال الإداري أربعة أشهر، ثم اعتقل مرة أخرى لمدة عام.

واعتقل ثانية لدى السلطة الفلسطينية في تشرين الأول 2010، وأمضى 12 يوماً في السجن أضرب خلالها عن الطعام.

كان الاعتقال الأشهر بالنسبة لخضر في 17 ديسمبر/كانون الأول 2011، وهو الذي خاض فيه أشهر وأطول إضراب فردي عن الطعام في السجون الإسرائيلية احتجاجا على اعتقاله الإداري دون تهمة، واستمر الإضراب 65 يوما ثم انتهى بتحقيق مطلب الإفراج عنه بتاريخ 17 أبريل/نيسان 2012.

وصية الشيخ خضر عدنان التي كتبها في اليوم 58 على إضرابه عن الطعام

أما وقد اقتربت النفس من الشهادة فحق علينا أن نكتب وصيتنا.
بسم الله الرحمن الرحيم
“الذين آمنوا لا خوف عليهم ولا هم يحزنون”، “ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا”، “وحق علينا نصر المؤمنين”.
الحمد لله رب العالمين أن وفقني للإضراب عن الطعام للحرية، الحمد لله على نعمائه التي لا تعد، ولا تحصى، والصلاة والسلام على سيد الخلق حبيب الحق سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
أبعث لكم بكلماتي هذه وقد ذاب شحمي ولحمي ونخر عظمي وضعفت قواي من سجني في الرملة الحبيبة الفلسطينية الأصيلة، وصيتي هذه لأهلي وأبنائي وزوجي وشعبي.
زوجتي أوصيك وأبنائي بتقواه تعالى، والاستعصام بحبله المتين والاستغناء بفضله عمن سواه وقول الحقّ في كل زمان، ومكان وصلة الأرحام والصلاة والزكاة والحفاظ على حرمات الله وحقه في حالنا، ومالنا، وحركتنا، وسكنتنا، والعلم إن خير بيوتات فلسطين هي بيوتات الشهداء، والأسرى والجرحى والصالحين.
أوصيكم بالأعمام والأخوال والأقارب والجيران وكل من له حق علينا, أوصيكم أن لا تتركوا لأحد حق عليّ معنوي أو مادي فمحبكم الأكثر حاجة إلى رحماته تعالى، إذا كانت شهادتي فلا تسمحوا للمحتل بتشريح جسدي وسجوني قرب والدي واكتبوا على قبري هنا عبد الله الفقير خضر عدنان دعواتكم له ولوالديه والمسلمين بالرحمات واجعلوه قبرا بسيطا وأطلبوا من الله لي المغفرة والرحمة والتثبيت وسعة القبر وأن يجعل قبورنا رياض من رياض الجنة لا حفر من حفر النيران وأن يتقبل أعمالنا كلها خالصة لوجهه الكريم.
أم عبد الرحمن والأولاد معالي وبيسان وعبد الرحمن ومحمد وعلي وحمزة ومريم وعمر وزينب سامحوني، وإخوتي أبو عدنان، وأبو أنس وأم نور وكل الأخوال، والأعمام والأقارب، والخلان، والجيران على أي تقصير في جنبكم وأنا أغادر هذه الحياة الدنيا، ولكن تأكدوا إنني ما شُغلت عنكم بإذن الله إلا الواجب.
يا شعبنا الأبي أبعث لكم هذه الوصية تحية ومحبة، وكلي ثقة برحمته تعالى، ونصره وتمكينه، هذه أرض الله ولنا، فيها وعد منه إنه وعد الآخرة، لا تيأسوا فمهما فعل المحتلون، وتطاولوا في احتلالهم وظلمهم، وغيهم، فنصر الله قريب، ووعده لعباده بالنصر والتمكين أقرب.
سلامي لسادتنا ذوي الشهداء، والأسرى، وتحياتي لهم وكل الأحرار والثوار.
زوجك المحب أم عبد الرحمن، والدكم المحب أبنائي، أخيكم المحب إخوتي، ابنكم المحب شعبنا.
دعواتكم أن يتقبلني الله شهيدا مخلصا لوجهه الكريم.
محبكم خضر عدنان – مشفى الرملة