باستثناء توقيتها، فإن العملية العسكرية الإسرائيلية في جنين لم تكن مفاجئة، إذ تحدث مسؤولون إسرائيليون عنها الأشهر القليلة الماضية، غير أن طول مدتها يحتم على تل أبيب إيجاد المبررات لتفادي الانتقادات الدولية المتوقعة جراءها.
وزادت التقديرات بتنفيذ هذه العملية، بعد كمين أدى الى إصابة 7 جنود أثناء اقتحام مخيم جنين في 19 يونيو/ حزيران الماضي.
ومنذ فجر الإثنين، بدأ الجيش الإسرائيلي عملية عسكرية واسعة بمدينة جنين ومخيمها شمالي الضفة الغربية، استخدم فيها طائرات مروحية ومسيرات وقوات برية، أسفرت عن مقتل 8 فلسطينيين وإصابة أكثر من 50 آخرين، إضافة إلى اعتقال 20.
والاثنين، قالت وسائل إعلام إسرائيلية إن القرار بتنفيذ العملية اتخذ قبل 10 أيام ولكن تم تأجيله إلى ما بعد انتهاء عطلة عيد الأضحى.
وحول العملية، قال وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، إن “قواتنا الأمنية خلال الساعات الماضية تعمل ضد بؤر الإرهاب الساخنة في مدينة جنين” على حد تعبيره.
وذكر غالانت في بيان: “نتخذ نهجا استباقيا وحاسما. من يؤذي مواطني إسرائيل، سيدفع ثمناً باهظاً”، مضيفا: “نحن نراقب عن كثب تصرفات أعدائنا ومؤسسة الدفاع الإسرائيلية مستعدة لكل سيناريو”.
وأشار في وقت لاحق بعد تقييم سير العملية: “نحافظ على يقظة عالية في جميع الجبهات ومستعدون لأي سيناريو”.
تفاصيل سرية
ولم يستخدم الجيش الإسرائيلي توصيف “العملية العسكرية” في منشوراته وإنما قال في بيان: “نقوم بتنفيذ سلسلة نشاطات عملياتية داخل مدينة جنين وفي مخيم جنين”.
وقدر بأن “19 مسلحا فلسطينيا لجئوا إلى مخيم جنين بعد تنفيذ عمليات ضد أهداف إسرائيلية”.
ولجأ الجيش الإسرائيلي إلى عنصر المفاجأة في إطلاق العملية، إذ استخدم طائرة مسيرة لمهاجمة أهداف في مخيم جنين قبل اقتحام القوات البرية للمخيم.
وأعلن لاحقا أنه استخدم طائرات مسيرة بالإغارة على أكثر من 10 مرات على أهداف في مخيم جنين في الساعات الأولى من العملية.
وقال الجيش الإسرائيلي: “لا نحارب السكان والمدنيين الفلسطينيين أو السلطة الفلسطينية وإنما المنظمات”.
وللمرة الأولى منذ عام 2006، عاد الجيش الإسرائيلي للإغارة على أهداف من الجو في الضفة الغربية، الشهر الماضي، عندما أغار على سيارة في مخيم جنين كانت تقل 3 فلسطينيين تم قتلهم.
وقالت القناة الإخبارية الإسرائيلية “12” إن قوات عسكرية كبيرة شنت عملية واسعة سميت في وثيقة داخلية بـ”المنزل والحديقة”.
وأضافت: “تم التخطيط للعملية لأكثر من عام وبقيت في سرية تامة، وفي بدايتها هاجم سلاح الجو أهدافا للمسلحين”.
ونقلت عن الجيش الإسرائيلي إن “العملية يمكن أن تستمر ساعات أو أيام”.
وتابعت: “أوضح مسؤولون في الجيش الإسرائيلي أنهم حاولوا في الأسابيع الأخيرة ضمان عنصر المفاجأة من أجل تحقيق أفضل النتائج”.
وقال مسؤول سياسي إسرائيلي كبير للقناة الإسرائيلية إن “هذه عملية محدودة في الوقت الحالي، ولا نية لإطالة أمدها وإحداث تطورات في ساحات أخرى”.
واستدرك المسؤول، الذي لم يكشف عن هويته: “جنين لن تكون بعد الآن مدينة ملجأ للإرهاب” على حد تعبيره.
ومن جانبها، قالت هيئة البث الإسرائيلية: “يشارك في العملية مئات الجنود من لواء الكوماندوز ووحدات النخبة برفقة عشرات الطائرات والعربات الهندسية”.
أهداف مرجوة
ووفق وسائل إعلام إسرائيلية، بينها موقع “واللا” الإخباري، عن مصادر عسكرية إسرائيلية، فإن اشتباكات عنيفة دارت بين الجيش الإسرائيلي والمسلحين الفلسطينيين خلال العملية العسكرية في مخيم جنين.
وفي الأسابيع الأخيرة، صدرت دعوات عن اليمين الإسرائيلي المتشدد بتنفيذ عملية عسكرية واسعة في الضفة الغربية.
ومن بين موجهي هذه الدعوة وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير الذي دعا الى عملية “سور واقي” جديدة في الضفة الغربية، وهي العملية التي نفذها الجيش الإسرائيلي عام 2002 وأعاد فيها احتلال مدن الضفة الغربية من السلطة الفلسطينية.
ولكن الرئيس السابق لهيئة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية “أمان” تامير هايمن، قال الإثنين، إن هذه العملية “ليست سور واقي 2، وأقترح أيضا التوقف عن استخدام عبارات مثل عملية لاستعادة الردع، فاستعادة الردع ليس هدفًا عمليًا لأنه غير قابل للقياس”.
وذكر هايمن في سلسلة تغريدات رصدتها الأناضول، أن “الأهداف الصحيحة هي القضاء على العدو وضرب المعامل والمسلحين”.
وتابع: “كما أن هذه ليست عملية ضد السلطة الفلسطينية، رغم التصريحات التحريضية من قبل بعض الأطراف، والسلطة الفلسطينية بكل عيوبها جزء من الحل وليست جزء من المشكلة”.
وفي لهجة انتقادية، اعتبر هايمن أن “هذه عملية تكتيكية لن تغير الواقع بمرور الوقت بدون بنية تحتية استراتيجية سياسية شاملة”.
وقال: “يمكن أن يؤدي العمل العسكري إلى إحباط الهجمات والمسلحين، مما يتيح واقعًا تشغيليًا أفضل، لكن العمل السياسي وحده هو الذي يضمن الاستقرار على المدى الطويل”.
وأضاف: “هذه هي المرحلة الأولى، عملية تستند إلى معلومات استخبارية دقيقة وافتتحت باستخدام القوة الجوية بشكل أساسي”.
وأردف: “الخطوة التالية هي أنه عادة ما يكون هناك احتكاك مع المسلحين في الميدان، وعلينا أن نرى كيف يتطور”.
مآلات محتملة
واعتبر هايمن أنه “سيتعين على إسرائيل أن تقرر متى تكون قد استنفدت الخطوة الحالية وأن تعرف كيفية اتخاذ هذا القرار في الوقت المناسب قبل الوقوع في المشاكل”.
وحذر هايمن من أن “عدد كبير جدا من الضحايا يمكن أن يشعل النار في ساحات أخرى أيضا. في مثل هذه الحالة، كما رأينا في الماضي، يجب أن يؤخذ في الاعتبار إطلاق الصواريخ من غزة أو لبنان”.
وقال: “في تقديري، حماس ليست معنية بمواجهة مع إسرائيل والجهاد الإسلامي أيضا مازال مهزوما من الجولة الأخيرة”.
وكانت الإدانات العربية قد بدأت بعد وقت قصير من بدء العملية الإسرائيلية دون ان يكن من الواضح متى ستبدأ الإدانات الدولية.
وفي هذا الصدد قال هايمن: “هذا مرهون بتراكم الآلام على الجانب الفلسطيني، فعلى المستوى الاستراتيجي، انقلبت الساعة الرملية للشرعية الدولية بالفعل”.
وأضاف: “طالما أنه عمل عسكري بحت دون غلاف سياسي – فإن الصبر الدولي سيكون أقصر”.
وتساءل المسؤول العسكري الإسرائيلي السابق: “السؤال ما هو هدف إسرائيل السياسي؟ هل خلق ظروف أفضل لعودة قوات الأمن الفلسطينية إلى شمال الضفة الغربية، ليس على حراب الجيش الإسرائيلي ولكن عبر تهيئة الظروف، أم هو إبعاد السلطة الفلسطينية وتحمل المسؤولية وإعادة السيطرة الأمنية على الأرض لإسرائيل؟”.
وأردف هايمن: “طالما بقيت غامضة وغير مقررة، فإن هذه العملية ستؤدي إلى تحسين أمني على المستوى التكتيكي، لكن ليس من المؤكد أنها ستستمر لفترة طويلة”.
المصدر: الأناضول
الرابط المختصر https://insanonline.net/?p=142645