النقوش الكنعانية شاهدة على أن الشعب الفلسطيني امتداد للسكان الأصليين

ساهمت النقوش الفلسطينية والأبجدية الكنعانية الأولى التي ظهرت في القرن الـ19 قبل الميلاد في تشكيل التاريخ الإنساني والحضاري.

وتكشف هذه النقوش حدود أرض كنعان التقريبية، حيث إنهم كانوا يعيشون بنظام المدينة الدولة. أي إن كل مدينة هي عبارة عن دولة مستقلة عن غيرها، وكان التعاون كبيرا فيما بينهم.

يعتبر ظهور الكتابة لأول مرة أواخر الألفيةِ الرابعة قبلَ الميلاد إنجازا كبيرا شهدته البشرية، بل واعتمدَ المؤرخون ظهور الكتابةِ بداية للعصور التاريخية، وجعلوا ما قبل الكتابة عصور ما قبل التاريخ.

وتؤكد هذه النقوش على أن كل ما على أرض فلسطين من موروث ثقافي سواء كان ملموسا أو غير ملموس هو ملك للشعب الفلسطيني بما في ذلك الموروث الديني، وذلك لأن الشعب الفلسطيني هو امتداد للسكان الأصليين منذ العصور الحجرية والذين اختلطوا بعدة شعوب وحضارات من خلال الاحتلالات المتتالية والتنقل والتجارة.

وقال الدكتور ضرغام فارس الباحث في تاريخ واثار فلسطين ورئيس اللجنة العلمية لمعرض “نقوش فلسطين القديمة وكتاباتها” الذي من المقرر ان يقام في مقر جامعة الدول العربية في القاهرة في الـ22 من الشهر الجاري؛ و”رغم أهمية النقوش والكتابات الأثرية في فهم تاريخ فلسطينَ القديم، وفي نقض المزاعم الحديثة للحركة الصهيونية وللاحتلال، إلا أن هذه النقوش لا تزال شبه مهملة من المؤرخين الفلسطينيين”.

وأضاف فارس لـ “عربي 21”: “نظرا لاختفاء هذه النقوش الفلسطينية في متاحف عالمية وعدم وجودها في أيدي الفلسطينيين أنفسهم يسعى الفلسطينيون إلى نقل هذه النقوش إلى جامعة الدول العربية التي ترعى بشكل رسمي معرض نقوش فلسطين القديمة وكتاباتها”.

وقال: “إن كثيرا من النقوش المتعلقة بتاريخ فلسطين موجودة بمتاحف عالمية، وإننا كفلسطينيين لا تتوفر لدينا النقوش الأثرية التي تتناول تاريخ فلسطين، فجاءت فكرة المعرض التي بادرت فيها جمعية وساطة، عبر تقليد تلك النقوش لأهداف تعليمية وتقديم قراءة علمية لها وربطها بالشواهد الأثرية الأخرى”.

وأضاف: “الفلسطينيون حرموا من النقوش الموجودة بمتاحف عالمية، ومن الاطلاع عليها وقراءتها، وكذلك هناك إهمال من طرف المؤرخين بتناول النقوش والاستفادة منها في تقديم قراءة علمية لتاريخ فلسطين ونقض الرواية الصهيونية، فكان البديل هو تقليد تلك النقوش”.

وأكد فارس على أن المعرض يهدف إلى تتبع تطور الأبجدية الكنعانية عبر العصور وتعزيز أهمية الموروث الحضاري للشعب الفلسطيني والاهتمام بتوعية جيل الشباب ونشر المعرفة التاريخية والسياسية والحضارية الفلسطينية.

وأشار إلى أن المشروع فكرة وتنفيذ جمعية وساطة للعمل الشبابي، والمجلس العربي للاتحاد العام للأثريين العرب ـ مصر، وجمعية الأثريين الأردنيين، وجمعية الحضارة العربية ـ الأردن، وبلدية بيت ساحور ومجموعة حضارات فلسطين القديمة وشركة الفنون للحجر.

ويظهر المعرض بحسب رئيس اللجنة العلمية فيه كيف بدأ الكنعانيون الكتابة في القرن الـ19 قبل الميلاد في “وادي الحول” ثم في سيناء، ثم التدرج في تطور اللغة على أرض كنعان خلال القرنين الـ15 والـ16 وصولا إلى نهاية القرن السابع قبل الميلاد.

وأوضح أن المعرض يضم نقوشا معروفة وموجودة في المتاحف العالمية ومنشورا عنها عدة مقالات علمية، والهدف من تقليدها ربط مضمونها مع بعضها والاستفادة من المضمون في تصحيح مفاهيم كثيرة خاطئة عن تاريخ فلسطين.

وقال فارس: “رسالة المعرض تهدف للتأكيد على أن كل ما على أرض فلسطين من موروث ثقافي سواء كان ملموسا أو غير ملموس هو ملك للشعب الفلسطيني بما في ذلك الموروث الديني، لأن الشعب الفلسطيني هو امتداد للسكان الأصليين منذ العصور الحجرية والذين اختلطوا بعدة شعوب وحضارات من خلال الاحتلالات المتتالية والتنقل والتجارة”.

وأضاف: “يندرج المعرض ضمن مشروع وطني علمي شامل يحمل اسم “نقوش فلسطين القديمة وكتاباتها”، ويهدف إلى تقديم تاريخ فلسطين استنادا إلى اللقى والشواهد الأثرية؛ لتنقية تاريخ فلسطين والثقافة العامة من الخرافات والأساطير”.

وأكد أن المشروع يعمل على تعزيز الرأي العام العالمي والعربي والإسلامي المؤيد لحقوق الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس؛ وذلك من خلال تقديم قراءة علمية محايدة لتاريخ فلسطين ونقل المعرض لعدة دول عربية وترجمة محتواه لعدة لغات أجنبية مستقبلا.

وشدد أ. جورج حنضل الباحث في الأبجدية الكنعانية، على أهمية مشروع النقوش والكتابات القديمة المقدم من قبل جمعية وساطة للعمل الشبابي بمدينة بيت ساحور، التي تبنت هذا المشروع الوطني، ولرؤيتها التقدمية لأهميته.

وأشار حنضل في حديثه لـ “عربي21” إلى أن المشروع الوطني للنقوش يكشف للباحثين العديد من الأمور لا سيما في ما يتعلق بطريقة زراعة وحياة ومعيشة أجدادنا الكنعانيين وعن أسماء أشخاص وآلهة، وحدود أرض كنعان.

وقال: “إن الكتابة لدى الشعوب هي توثيق حضاري تاريخي مهم، من منطقة هي أصبحت أم أبجديات العالم الحديث، إن الكتب والمطبوعات حديثا هي بديل عن النقوش على الحجارة والفخار والمعادن قديما”.

وأضاف: “اخترنا في هذا المعرض 21 نقشا كنعانياً منذ الألف الثاني قبل الميلاد، وحتى ما يقارب منتصف الألف الأول قبل الميلاد”.

وأكد على أن هذه النقوش تكشف بداية الأبجدية الكنعانية منذ القرن التاسع عشر قبل الميلاد، ابتكرها أجدادنا الكنعانيون في هذه الأرض، وتكشف أيضا حدود أرض كنعان التقريبية، حيث إنهم كانوا يعيشون بنظام المدينة الدولة. أي أن كل مدينة هي عبارة عن دولة مستقلة عن غيرها، وكان تعاون كبير فيما بينهم.

وقال حنضل: “إن الأبجدية الكنعانية التي مرت بمراحل وتطورت، أصبحت منتشرة بالمنطقة وبحوض البحر الأبيض المتوسط بسبب التجارة المتوسطية التي كانوا يقومون بها، أدت لبناء مستوطنات ودية بحوض المتوسط كاملاً”.

وأضاف: “نذكر بعض تطورات للأبجدية الكنعانية الأم، حيث تعلم اليونانيون قراءتها وكتابتها، وتطورت في القرن الثامن قبل الميلاد إلى أن أصبحت أبجدية يونانية، ووصلت بالقرن الخامس قبل الميلاد إلى أبجدية لاتينية، وهناك تطورات عديدة لها مثل الآرامية والعربية والسريانية، ولكل منها فروع عديدة”.

وتابع: “حين نقرأ هذه النقوش نرى أن هناك العديد من الكلمات الكنعانية المستخدمة، مازلنا نستعملها ليومنا هذا على أنها عربية، فهذا أمر طبيعي لامتداد حضاري مستمر”.

 وأوضح حنضل أن النقوش المختارة في هذا المعرض هي نموذجية، تعبر عن العديد من الحياة اليومية التي كان يعيشها الكنعانيون.

وضرب مثلا بقوله “إن نقش خربة الكوم يحكي عن الديانة، ونقش الجزر يحكي عن آلية الزراعة في تلك الحقبة الزمنية، وختم ملك حبرون يحكي عن الجانب الاقتصادي، ونقش سلوان يوضح كيفية النظام المائي، وهناك العديد من النقوش.. واحد وعشرون نقشا مختلفاً يفسر الحياة اليومية والحياة الحضارية في تلك الحقبة الزمنية”.

وأضاف: “يهدف المشروع ليكون وسيلة تعليمية مهمة، ونفي الخرافات، وفرصة لقراءة التاريخ، على أمل أن نصل إلى تعليم جيل ناشئ يستطيع من خلال تعليم الأبجدية أن يصل لقراءة النقوش ويترجمها علميا دون الاعتماد على ترجمة مستوردة، هنا نحن نستطيع أن نحدد تاريخنا وأصولنا وامتدادنا منذ البداية حتى اليوم كأجداد وأحفاد”.

واستعرض مراحل هذا المعرض بعد افتتاحه في القاهرة، مؤكدا على أنهم سيبدأون من فلسطين بشكل واسع مع بداية العام المقبل أي 2024، ليكون هناك حلقات مختصة للموضوع ذاته وموسعة.

وقال: “تلقينا دعوة من أشقائنا بالأردن، ليكون هناك فترة زمنية أخرى، يليه محاضرات تخص هذا الموضوع في المواقع المخصصة لذلك”.

وأضاف: “كما أن شركة غولدن مدينة في تونس من مدينة قرطاج وجهوا لنا دعوة أيضا لاستضافة المعرض هناك ليتجول بأربع مدن تاريخية كنعانية مع برنامج متخصص في الموضوع وذلك حتى نهاية العام الجاري”.

ومن جهته قال أ. جاد أبو أسعد الباحث في التاريخ والآثار: “إن نقوش فلسطين القديمة، والنقوش الكنعانية باتت تمثل الوجه الحضاري لفلسطين”.

واعتبر أبو أسعد في حديثه لـ “عربي21” إقامة معرض النقوش الكنعانية القديمة في جامعة الدول العربية خطوة غير مسبوقة وعمل جاد من بعض الباحثين على إعادة كتابة هذه النقوش.

وقال: “إن الهدف من هذا المعرض هو تسليط الضوء على تاريخ وآثار فلسطين من خلال دراسة النقوش الكنعانية التي تغطي فترة طويلة تمتد من القرن الـ19 ق.م إلى القرن السابع ق.م.”.

وأضاف: “هذه الخطوة المهمة التي بدأ العمل بها منذ عام تقريبا أنتجت رواية وسردية فلسطينية حول تاريخ الأبجدية في فلسطين، وذلك بعد أن تعرض هذا الحقل من الدراسة لعملية تشويه للحقيقة التاريخية لنقوش فلسطين إضافة إلى طمس الرواية المحلية الفلسطينية التي تعد امتدادا طبيعيا لثقافة فلسطين.

وحذر أبو أسعد أن كثيرا من الدراسات الغربية والإسرائيلية عملت على وصف كثير من النقوش الكنعانية على أنها نقوش عبرية واسقطت مصطلحات وتسميات متعددة على هذه النقوش بهدف تهميش السردية المحلية المرتبطة بنقوش فلسطين.

وقال: “وقد نتج عن هذا التهميش إنكار الموروث المحلي والاستمرارية التاريخية لشعب فلسطيني، وأصبح موضوع النقوش حكرا على الباحثين الغربيين والمستشرقين بهدف تعزيز الرواية التوراتية وما تقدمه هذه الرواية من تناقضات واضحة حول تاريخ فلسطين الحقيقي”.

وأوضح الباحث في التاريخ والآثار أن المعرض يهدف كذلك إلى تسليط الضوء على كيفية تطور الأبجدية الكنعانية من شكلها الأول.

وقال: “هذا التطور وجد في سرابيط الخادم إلى الحروف الأبجدية التي وجدت منقوشة على قطع فخارية في عدة مواقع من فلسطين”.

وأضاف: “سيتضمن المعرض عرض حوالي 21 نقشا من نقوش منتقاة من مواقع متعددة في فلسطين وهي عبارة عن نسخ نقشت على قطع فخارية وحجرية تقليدا للنقوش الأصلية كما وجدت في المواقع الأثرية”.

وأكد على أن أهمية هذا المعرض يكمن أهمية بأنه يعزز الوعي لدى الأجيال الفلسطينية بأهمية تاريخ فلسطين وتجذر الإرث الكنعاني كما ويرفع حالة الإدراك لقيمة نقوش فلسطين وان الأبجدية الأولى التي ظهرت فيها ساهمت في تشكيل التاريخ الانساني.

وتطرق الباحث في التاريخ والاثار الى بمراحل تطور الأبجدية، وقال: “فقد تطورت هذه الأبجدية منذ القدم من حوالي القرن الـ19 ق.م في الدلتا في مصر في موقع سرابيط الخادم من كتابة صورية إلى حروف أولية كتبت على يد عمال كنعانيين عملوا في مناجم سرابيط الخادم”.

وأضاف: “وبعد ذلك تطورت الحروف الأبجدية لاسيما في منطقة الساحل الجنوبي الفلسطيني في القرون اللاحقة لتشكل في النهاية الحروف الأبجدية بشكلها النهائي في حوالي القرن العاشر ق.م”.

المصدر: عربي21