ثراء وفقر الدول والعمل التطوعي في المدارس

طلبة يقومون باحد الأنشطة التطوعية- أرشيفية

العمل التطوعي يعتبر ركيزة أساسية ورقما هاما في معادلة بناء المجتمع ونشر التماسك الاجتماعي بين المواطنين، كما أنه يعمل على تعزيز انتماء ومشاركة الشباب في مجتمعهم، ويوفر لهم فرصة تأدية الخدمات بأنفسهم، وحل المشاكل بجهدهم الشخصي، والمشاركة في تحديد الأولويات التي يحتاجها المجتمع.
ومن هنا تبدو أهمية العمل على نشر ثقافته وأهدافه بين كافة فئات وقطاعات المجتمع بصورة عامة، والشباب بصفة خاصة، لصالح الفرد والمجتمع، لكن هل تقف الإمكانات المادية للدولة أو المؤسسة المعنية حجر عثرة أمام نشر هذه المفاهيم وتلك القيم؟ هل فكر التطوع قابل للانتشار والنجاح في الدول الأكثر قدرة – ماديا- على تنفيذ الأنشطة التطوعية، خاصة المتعلقة بالبيئة منها، وهو ما يحتاج لإمكانات كبيرة تتعلق بأجهزة ومعدات لنقل المخلفات المجمعة، أو لنقل الشباب للأماكن  التي تحتاج للتنظيف أو العناية بها مثلا، خاصة البعيدة منها، مثل: الشواطيء العامة، والمحميات، والمتنزهات، في حين تقل الإمكانية لدى الدول الفقيرة أو محدودة الموارد؟ وهل تكفي الدروع والميداليات والشهادات التقديرية لتشجيع الطلاب على العمل التطوعي في كل الدول، أم أن الأمر يتطلب ضرورة وجود مكافآت مالية لتحفيزهم؟ وما مدى علاقة ذلك بالمستوى المادي للطلاب؟
نعم، إن مطالبة طلبة المراحل التعليمية المختلفة، وخاصة الثانوية، بإنجاز ساعات متفاوتة من العمل التطوعي يعزز روح المواطنة، ويغرس قيم الانتماء والانضباط السلوكي لدى طلاب المدارس والجامعات؛ حيث إن نشر ثقافة التطوع بين طلبة المدارس يسهم في تشجيع الشباب، ومنذ الصغر، على التعبير عن آرائهم وأفكارهم في القضايا العامة التي تهم المجتمع؛ مما يعمل على خلق أجيال جديدة لها رؤية ورسالة واضحة تجاه وطنها ومجتمعها، فتتبلور أفكارهم في مرحلة التعليم الجامعي، ثم تخرج للواقع العملي بعد التخرج أو الانخراط في سوق العمل.
لكن هل طلاب الثانوي، الذين يطالبهم آباؤهم في كثير من الدول بالعمل في الإجازة الصيفية لزيادة الدخل أو لادخار ما يلزمهم من مصروفات دراسية أثناء العام الدراسي، يتساوون مع أولئك الموجودين في بلدان غنية أو تتمتع بمستوى اقتصادي مرتفع؟ وما مدى تأثر الأنشطة والأعمال التطوعية  بالمستوى الاقتصادي للدول؟ أظن أننا في حاجة لأرقام وإحصائيات واقعية لتعكس لنا  مدى مطابقة الواقع المعاش عربيا لتلك العلاقة؟ إحصائيات عن عدد وحجم الأنشطة والمشروعات التطوعية في البلدان العربية بمختلف درجات ثرائها وفقرها، إحصائيات تبين عدد الشباب الذين التحقوا بأعمال تطوعية خلال مدة زمنية ما في بلد غني مقارنة بأخرى فقيرة، ونسبة الشابات فيهم؟ وللأسف، بلداننا العربية لا تقيم وزنا كبيرا للإحصاءات في مجالات كثيرة منها هذا الميدان.
لكنه ـ وبصفة عامة ـ وبعيدا عن تلك العلاقة عكسية كانت أو طردية، ينبغي أن نتحدث عن ضرورة تبني المدارس الحكومية، بل والخاصة لو أمكن، لبرامج تتعلق بتعزيز العمل التطوعي بين طلابها؛ لأن ذلك في النهاية وسيلة تربوية لتحقيق العديد من الإيجابيات التي تضيف قيمة نوعية لخدمة المجتمع وتعزيز الثقافة الإيجابية لديهم، بجانب إشاعة المحبة والإخاء والتكافل كسلوك يمتد تأثيره ليقلل من السلوكيات السلبية التي انتشرت مؤخرا لدى الكثير من الطلاب في  أغلب الدول.
ولا شك أن العمل التطوعي سيكون له دور كبير في استثمار طاقات الطلاب، واكتشاف المواهب، وإدماجهم في المجتمع، وتعليمهم كيفية استغلال الوقت بشكل مثمر، وإن كان الكثيرون يرون أن ذلك ـ أيضا ـ مرتبط بما ذكرناه عن علاقة المال بالتطوع، فالطالب المنتمي لطبقة مرفهة ماديا ـ مثلا ـ حتى ولو كان في دولة ليست ثرية يختلف في دافعيته للعمل التطوعي عن المنتمي لطبقة فقيرة، ففي مصر ـ مثلا ـ يختلف الأمر بين طالب يعيش في منطقة جاردن سيتي بالقاهرة أو المهندسين عن طالب ينتمي لمنطقة السيدة عائشة أو البساتين، وكلاهما يختلف عن طالب من إحدى قرى الصعيد، من حيث وجود وقت فراغ  لديهم، أو عدم الحاجة للعمل صيفا بدلا من العمل التطوعي.
ومن هنا يأتي دور المدرسة في ضرورة أن تعي أهمية تنفيذ متطلبات العمل التطوعي، وأن تعمل على أن يكون لهذا العمل هدف محدد وواضح ومرغوب فيه، وأن تتعدد أوجه النشاط أمام الطلاب؛ ليختار كل منهم ما يتناسب مع ميوله ورغباته وقدراته، كما أن مراعاة اتباع الأسلوب الديمقراطي عند تنظيم الأنشطة التربوية المتعلقة بالعمل التطوعي، وتحديد أدوار كل طالب، يسهم في الإقبال على هذه الأعمال، كذلك يجب ارتباط الأعمال التطوعية بالبيئة وحاجات المجتمع، فالمدرسة الموجودة في قرية ـ مثلا ـ يمكنها أن توجه الطلاب لتنظيف  مدخل القرية، ويصعب ذلك لباقي مناطق القرية، بينما المدرسة الموجودة في مناطق راقية يمكنها أن توجه الطلاب لنظافة الحي أو الشوارع المحيطة بالمدرسة، على أن تمثل المدرسة المنطلق والبيئة الصغرى لميدان العمل التطوعي، من خلال حملات النظافة العامة، وتزيين المدرسة، ومساعدة الطلاب غير القادرين، كما يمثل العمل التطوعي خارج المدرسة البيئة الكبرى، فيشارك في نظافة الحي، وتنظيم المرور، وحملات التبرع بالدم، وغيره.. ولا بد أن تتسم الأنشطة التربوية المتعلقة بالعمل التطوعي بالجدية والإيجابية، والبعد عن المظاهر الدعائية؛ حتى ترسخ في شخصية الطالب، ولا تكون مجرد قضاء وقت أو صورة دون واقع مفيد.
المطلوب ـ أيضا ـ أن تعمل المدارس في مختلف المراحل على تنظيم برامج إنسانية تتخذ طابع الممارسة العملية الموجهة لخدمة المجتمع، ولتنمية قدرات الطالب، كمساعدة فقراء، أو المشاركة في مشروع إنساني اجتماعي، وإعداد الطالب الإنسان، ذي الشخصية الاجتماعية الإيجابية، المنتمي والمتفاعل مع مجتمعه وبلده؛ حتى لا تكون هذه الأنشطة مجرد تحصيل حاصل للطالب، مع أهمية  تنظيم ورش العمل والمحاضرات عن أهمية وقيمة  العمل التطوعي داخل المدارس للطلاب وللمعلمين، كضرورة لتوضيح مفاهيم التطوع وآثاره وفضائله، ودوره في تهذيب النفس والإصلاح.. مطلوب أن يكون المعلم قدوة لطلابه، كما عودنا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ  في ميادين مختلفة أن يكون قدورة للصحابة ـ رضي الله عنهم ـ، كذلك لا بد من العمل على تقديم الدروع والشهادات للطلاب المتميزين في البرامج التطوعية، وعمل جوائز لأفضل الفرق التطوعية، وأفضل المشاريع، وأفضل متطوع أو متطوعة؛ لتأصيل ثقافة العمل التطوعي لدى الطلاب والطالبات.
المصدر: مداد