رحلة خوف تخوضها (نافذة الخير) في مدينة الأنفاق

مراسل النافذة داخل احد الأنفاق

هرعت سيارتا إسعاف ودفاع مدني إلى (مدينة الأنفاق) على الشريط الحدودي في رفح جنوب قطاع غزة بعد سماع دوي انفجار هز المنطقة، شاع بين الناس حينها أن طائرات الاحتلال أغارت على المكان.
 
في الطريق إلى ما بات يعرف بمدينة الأنفاق المتشابكة التي ترامت على مرمى العين بالقرب من الشريط الحدودي، كانت "نافذة الخير" تخوض طريقها بين مداخل الأنفاق التي يتراوح عمقها ما بين ثلاثة عشر إلى عشرين مترا تحت الأرض، ويلف محيطها ألواح حديدية "زينقو" وغطي سقفها بأقمشة ونايلون أشبه بالدفيئات الزراعية.
 
في مدخل المدينة علت أصوات مولدات الكهرباء التي تعمل من خلالها الأنفاق، وكانت بعض الشاحنات تهم بنقل كميات البضائع التي نجح المهربون في إيصالها بسلام، فيما كانت جرافتان تحاولا العثور على جزء من النفق الذي انهار التراب من منتصفه.
هناك ارتفعت التكتلات الرملية على جانب الأنفاق حيث يجمعها الحافرون أثناء شق النفق، فيما اتخذ عدد من الشبان فوقها مكانا للاستراحة يلتقطون أنفاسهم بعد رحلة شاقة في باطن الأرض.
 
اصطحب "س.ن" "نافذة الخير" في جولة ميدانية بين الأنفاق التي لم يستطع أحد إحصاء عددها  بدقة نظرا لطول الشريط الحدودي وملاصقة الأنفاق لبعضها البعض حتى أن بعضها تلاقى أثناء عملية الحفر في باطن الأرض، إلا أن الإحصاءات غير الرسمية تشير إلى أن عددها يتراوح ما بين ألف إلى ألف ومائتي نفق تقريبا.
 
أثناء المسير اخترقت حفرة يزيد قطرها عن الثلاثة أمتار الأرض، حيث عرفها الدليل بأنها "تسفيقة" ما يعني انهيار الرمال على حفرة النفق تحت الأرض من شدة الضغط وفصله لقسمين، موضحا أنه في حال كان هناك عاملين داخل النفق فان ذلك يؤدي إلى خنقهم في حال لم تتمكن طواقم الدفاع المدني من الوصول إليهم بسرعة من خلال الحفر بعد ذلك الانهيار.
فيما قال "س.ن" أنه في حال انهيار الرمال ولكن لم تصل إلى حفرة النفق فان ذلك يتعارف فيما بينهم "بالترييحة".
 
تفاصيل الداخل

مراسل النافذة لدى هبوطه إلى النفق

في أرض تلفها ألواح الحديد، ويسد مدخلها قطع قماشية دخلنا إلى حفرة نفق لا زال قيد التجهيز، كان حينها الحافرون مغادرون للمكان والمولدات الكهربائية التي تنير طريقهم أثناء النفق قد توقفت عن العمل، وأغلق مدخل النفق بلوح من "الزينقو" كي لا يتعرض أحد من المارة للأذى أو الوقوع بداخله.
الدليل الذي اصطحب "نافذة الخير" هناك قال أن عمق ذلك النفق الذي تلف جوانبه الأربعة ألواح خشبية ثلاثة عشر مترا، فيما تبلغ أبعاده متر ونصف وأقل من مترين، أما أفقيا فيمتد طوله ثمانمائة مترا حتى الوصول للأراضي المصرية وبارتفاع المتر الواحد وعرض مشابه.
 
بحركات سريعة نزل "س.ن" إلى عمق النفق مستعينا بقطع خشبية شكلت على شكل سلم على أحد جوانب مدخل النفق، وطلب منا إتباعه في نفق مظلم بالكاد يستطيع الشخص رؤية من حوله حينها تسارعت دقات قلبي وتزاحمت الأسئلة التي دارت في ذهني، إلى أين ذاهبون؟ هل ستغير الطائرات الإسرائيلية على المنطقة ؟ ماذا لو انزلقت قدمي أثناء النزول ؟.
كان المكان أشبه بالقبر المظلم، وفي الداخل أحاطت جوانب النفق قطع خشبية كإجراءات احتياطية خوفا من انهيار النفق بعد الحديث عن تزايد المحاولات الإسرائيلية المصرية لإغلاق الأنفاق في وجه الغزيين الذين اتخذوها بديلا عن المعابر المغلقة.
وتكاثرت المعدات التي يستخدمها الحافرون داخل النفق ، حيث كما يقول الدليل "ن.س" أنه لا زال أمامهم ما يقرب من مائتي متر للوصول إلى الطرف المصري.
 

بوابة احد الأنفاق

وزادت الغارات الإسرائيلية على منطقة الأنفاق خلال الفترة الماضية حيث أدت لتدمير عشرات الأنفاق، فيما انهار عدد منها على رؤوس العاملين فيها.
وبلغ عدد ضحايا الأنفاق على مدار السنوات الماضية حسب إحصاءات رسمية صادرة عن وزارة الصحة الفلسطينية مائة وسبعة وعشرين شخصا قضوا إما نتيجة الغارات الإسرائيلية أو الانهيارات الرملية والاختناق، أو اشتعال النيران بداخلها .
 
ويتخذ الغزيون من الأنفاق وسيلة وحيدة لإدخال المواد الغذائية والأساسية إلى المحاصرين في غزة، ويعد حليب الأطفال والمواد الغذائية والوقود والمولدات الكهربائية أبرز ما يتم إدخاله عبر الأنفاق وذلك نظرا لحاجة القطاع الماسة لها.
 
في رحلة العودة من باطن الأرض التي خاضتها "نافذة الخير" عادت طائرات الاحتلال لتجوب سماء المنطقة، وسارع العاملون في الأنفاق لإخلائها تحسبا لأي عدوان محتمل.
ولعل مشاهد الأنفاق المتزاحمة وما يدور في أروقتها تطلق العنان لأقلام كاتبي القصص والروايات للحديث عن واقع مرير في مدينة الأنفاق في ألف حكاية وحكاية.